المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ثورة تموز 1958 و لقائي مع عبد الكريم قاسم/ غانم كّنّي


jerjesyousif
07-17-2021, 06:13 AM
غانم كني (https://ankawa.com/forum/index.php?action=profile;u=35964)



عضو فعال جدا
https://ankawa.com/forum/Themes/ankawa/images/star.gifhttps://ankawa.com/forum/Themes/ankawa/images/star.gifhttps://ankawa.com/forum/Themes/ankawa/images/star.gif
https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;attach=1047723;type=avat ar (https://ankawa.com/forum/index.php?action=profile;u=35964)

عنكاوا.كوم - 14-7-2021



ثورة تموز 1958 و لقائي مع عبد الكريم قاسم



« في:14/07/2021 »



ليس من السهل الحكم على احداث جسيمة مرت على العراق بكلمة واحدة قبل دراسة والاطلاع على ما تم انجازه بعد تلك الثورة او لنسميه انقلاب ولنقارنه بما كان الوضع عليه من ايجابيات و سلبيات في كل عهد بنوع من الحيادية و الواقعية و دون مغالاة او ظلم احد الاطراف وعندما ننظر للوراء، فعلينا تقييم حقبة الثورة بكل تشابكات ظروفها، العراقية منها والإقليمية والدولية، كما يجب النظر للثورة بالرجوع لتاريخ الحركات السياسية في العراق الحديث، وضآلة الممارسات والتقاليد الديمقراطية،



فبالرغم من مرور اكثر من خمسة عقود فإن ثورة 14 تموز العراقية، وشخصية زعيمها، لا تزالان موضع تجاذب في الآراء والاجتهادات، عراقيا، وعربيا بوجه خاص. و العديد قد وقع في خطا فاضح وعدم الموضوعية لحد أن ينسبوا للثورة نفسها كل الكوارث، والانتهاكات، ونزعات العنف الغير معقولة التي تفجرت بعد اغتيالها و التصفيات الدموية الشنيعة بعد كل انقلاب وحتى بين الاقلابيين انفسهم كما نقرا ذلك بمذكرات من كتب لهم الحياة !



هناك من يبالغ في إيجابيات العهد الملكي وكأنه كان مثاليا أجل، لم يكن العهد الملكي سيئا في كل فتراته، و كان له محطات مضيئة خلاله، كالتعايش الودي داخل المجتمع بين القوميات والطوائف والأديان، والحرص على المصالح الوطنية، وكان فيصل الأول مثالا لذلك، وكتوفر الخدمات والأمن، وكفترات انفتاح للحريات نسبيا، كما مثلا بعيد الحرب العالمية الثانية، وكما في منتصف 1954 إلى منتصف 1955. وكانت هناك صحافة تنتقد رغم المطاردات القانونية، والبرلمان، الذي كانت انتخاباته مزيفة، كانت ترتفع على منابره أصوات وطنية جريئة يكون لها صداها بين المواطنين، كما كان في البرلمانات ممثلون للأقليات المسيحية واليهودية، من دون أن يثير ذلك أية حساسية في المجتمع. هذا كله صحيح، ويمكن الاستناد عليه للحكم بأن تلك الأوضاع كانت أفضل عشرات المرات من الوضع العراقي الحالي. غير أننا نعرف أنه، بجانب تلك الإيجابيات النسبية، كانت جماهير الفلاحين تئن تحت نهب وسياط كبار الإقطاعيين وملاكي الأرض، وكان الفقر ومعاناة العيش منتشرين، وشركات النفط تنهب دون قيود، والسجون والمعتقلات تطارد القوى والعناصر الوطنية، وكان ثمة تعذيب للوطنيين حتى وصل الامر إسقاط للجنسية عن عدد منهم وغير ذلك من مثالب لسنا هنا لتعدادها جميعا

اليوم، وبعد العقود التي مرت منذ 14 تموز، فإن أكثرية الآراء العراقية قد استقرت على أن الثورة العسكرية كانت محتمة منذ منتصف الخمسينيات، أي حين فرِضت مراسيم استبدادية، وطوردت الأحزاب والصحف، وأغلقت الجمعيات، وجرت حملة اعتقالات واسعة للوطنيين من مختلف الانتماءات السياسية والفكرية. بمعنى آخر، لقد تم غلق أي منفذ جدي للانتقال سلميا نحو التغيير و الاصلاح الثوري، ولتعديل الأوضاع جذريا بخطوات إصلاحية جريئة ومتتابعة، ولو أمكن ذلك، أي تجنب التغيير بالعنف المسلح، لكانت النتائج أفضل جدا للعراق وشعبه، ولكن ذلك الخيار لم يكن عمليا مع الأسف. وقد استقرت الآراء العراقية أيضا، ونقصد التقييم الغالب بين القوى الوطنية العراقية، على أن الزعيم عبد الكريم قاسم كان أكثر من حكموا العراق شعبية ووطنية، وقد زرعت محبته في قلوب العراقيين، وذلك لأن محبة الشعب، ومصلحة الوطن، كانتا مغروستين في عمق أعماقه وعبد الكريم كان أيضا عفيف اليد وذا نزاهة مطلقة، نفتقد اليوم جزءا صغيرا منها حيث يسود النهب والفساد!

لقد عمل قائد الثورة و رجالاته الكثير لصالح الشعب، وبالأخص للطبقات الفقيرة، فهو الذي شيد لسكان الصرائف القادمين من الريف مدينة في بغداد سماها بمدينة الثورة، وهي نفس المدينة التي سطا مقتدى الصدر على اسمها ليغيره اعتباطا، ويسميها الان بمدينة الصدر، والأحرى أن تسمى بمدينة عبد الكريم قاسم، وأن يقام له في مدخل المدينة تمثال يذكُر أهالي المدينة والعراق بمدى تعاطف الزعيم الراحل مع الطبقات المسحوقة وخدماته الكبيرة لها.
هناك انجازات عديدة اذكرها بايجاز
اولا: تحرير العملة العراقية من الارتباط بالعملة الاسترلينية مما اعطاها قوة اكثر – انذاك –



ثانيا : الخروج من حلف بغداد و فك العراق من القواعد الاجنبية واستلام قاعدة الحبانية و الشعيبة.



ثالثا : عربيا و دوليا – دعمه للشعب الجزائري وتاسيس اول جيش فلسطيني وفي العراق .



رابعا : ان عبد الكريم هو الذي سن قانون الإصلاح الزراعي رغم أن تطبيقه كان يتشوه بفعل الدوائر الإدارية الموروثة،



خامسا : استرجاع حقوق العراق الأساسية من شركات النفط العاملة و خير شاهد قانون رقم 80 النفطي الشهير والذي ينص على استعادة 80 بالمئة من الاراضي العراقية الغير مستغلة من شركات النفط و من المفارقات ان من الرجال الاكفاء الذي ساهم مساهمة فعالة في سن هذا القانون الاستاذ عبد اللطيف الشواف وزير في حكومة الزعيم و نجد شقيقه عبد الوهاب الشواف يقوم بمحاولة انقلابية على عبد الكريم من الموصل . ان قانون رقم 80 استرشدت به معظم الدول المنتجة للنفط واتخذت منه بنود عديدة .



سادسا : اعطاء اهمية كبرى للمهندسين العراقيين و الكفاءات العراقية بحيث تمكن و بطريقة ذكية التخلص من الايدي العاملة الاجنبية الهندسية خاصة و التي كانت المهيمنة على وظائف القطاع النفطي واحلال محلها ايدي عراقية واما قصة و خطة تعريق وظائف مصفاة الدورة فلا زالت مضرب الامثال حيث بيوم واحد اتخذ قرار منع دخول أي موظف اجنبي الى المصفاة و حل محلها كادر عراقي .

سادبعا : الاهتمام بالموانيء العراقية و في عهده امتلك العراق نواة اصطول النقل البحري العراقي و سميت اول باخرة باسم 14 تموز. و ثم بدا مشروع ميناء ام قصر وعملت هناك ثلاثة اشهر على الحفارة – "كربلاء " لتعميق امام المرافيء لتمكين وصول البواخر ذات غاطس اكبر .

ثامنا : ثورة 14 تموز هي التي شيدت أول جامعة عراقية و زادت عدد كلياتها وتم توسيع اقسامها والاهم زيادة عدد المقبولين فيها وتوفير الاقسام الداخلية للطلبة القادمين من بقية المحافظات ، وعيَّن قاسم لرئاستها عالما قديرا معترفا به دوليا، هو المرحوم عبد الجبار عبد الله، وكان من الصابئة المندائيين، وإن تعيينه كان دليلا على مدى عدم تحيز الزعيم دينيا، مثلما لم يكن متحيزا مذهبيا أو فئويا مثلما هو كائن اليوم، من اضطهاد للأقليات الدينية، وغلبة الطائفية والفئوية، وتراجع الولاء الوطني لصالح الولاءات الفرعية.

اما ذكر عن لقائي و جها لوجه مع الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم ليس من اجل التباهي بلقاء زعيم الثورة – و يستحق التباهي بذلك – لكن من اجل ذكر كلماته التي ما زالت ترن في اذاني و صورته ماثلة امامي وكان اللقاء في حفلة تخرجنا من كلية الاحتياط عام 1962 و اثناء الاستراحة فجاة كان عبد الكريم بيننا خلف الكواليس مع اللجنة المشرفة على الحفل و كنت من ضمنهم و موجها كلامه لنا ما نصه " كم انا سعيد ان اجد هذه االكفاءات العراقية الشابة لنغذي شرايين الدولة بدماء و كفاءات عراقية جديدة والذي ارجوه منكم الاسراع بتنفيذ المشاريع فعنصر الوقت مهم لنا وان يتم تقييم أي مشروع حسب حاجة البلد والجدوى الاقتصادية له بغض النظر الجهة التي اقترحت المشروع" وصافحنا وتمنى للجميع التوفيق.

اما اللقاء الثاني فكان خلال حضوري اول مؤتمر للمهندسين العراقيين في قاعة الشعب و كان حديث طويل و بعد ان سخن الحديث و النقد امر بايقاف السجلات خوفا علينا من المسائلة الامنية لكن طرح احد الزملاء عليه سؤال جريء و قال سيادة الزعيم ماذا استفادينا من الثورة؟ البيضة كانت بعانة اليوم بعشرون فلس واللحم ارتفع سعره , فاجاب مبتسما " ان هذا دليل على ارتفاع مستوى المعيشة للفلاح العراقي فكان قبلا يحرم اطفاله منها و يبيع البيض للحصول على النقود اما الان ففتح امامه مجال العمل وتحصيل النقود فصار يفضل ان يطعم اطفاله فشح البيض بالسوق وارتفع سعره.

اخيرا أدعو إلى إعادة تحليل ودراسة هذه الصفحات من تاريخ العراق بشكل محايد وعقلاني والهدف ليس عقلية الانتقام وسوق الموتى إلى المحاكم لقد دفن بعضهم البعض أقول نحتاج إلى فضح الاخطاء ونتائجها الكارثية على مستقبل الشعب العراقي و نجتهد وبشكل منفتح لتقديم بديلا مسالما ونبيلا في التعامل مع عراق جديد نريد له مؤسسات قوية ورجال يملئهم العزم على ممارسة وظائفهم فيه بشكل حضاري ونبيل ومتقدم والأهم نريد بلوغ عقلية عراقية تجنح نحو السلام وتبغض الحروب والمؤامرات والدسائس والاغتيالات وشهوة القتل والتدمير والسلب والنزوع المغامر واحتكار الحقيقة ...!